الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية رئيس المرصد التونسي لإستقال القضاء أحمد الرحموني: هل دخلت أزمة القضاة والمحامين حظيرة السياسيين؟

نشر في  05 مارس 2014  (11:37)

أبدى رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء أحمد الرحموني رأيه في الأزمة التي يمر بها قطاعي القضاء والمحاماة، وهذا ما جاء في مقالة أصدرها:

يبدو أنّ ازمة العلاقات بين القضاة و المحامين التي تفجرت منذ 21 فيفري الجاري قد شهدت بداية من 27 فيفري من نفس الشهر منعرجا جديدا بعد احالة عدد من المحامين على التحقيق على خلفية الوقائع التي ادت الى التهجم على احد القضاة وتزامن ذلك مع دعوة وزير العدل لهياكل القضاة والمحامين للجلوس الى طاولة الوزارة والامضاء على بيان مشترك. ورغم ان الاجتماع قد تواصل الى الساعة الحادية عشرة ليلا الا ان محاولات الوزير لم تفلح لاسباب لم يقع الاعلان عنها رسميا مع ان بعض المحامين ومنهم من ينتسب الى الهياكل قد حمل جمعية القضاة التونسيين مسؤولية افشال التوصل الى حل وذلك بامتناعها عن امضاء البيان المشترك .

وقد ردت الجمعية على ذلك بالقول أن البيان لم يتضمن الحد الأدنى من رد الاعتبار للقضاة واضافت لائحة المجلس الوطني للجمعية ان اعضاء الهيئة الادارية يصادقون على رفض المكتب التنفيذي لمشروع البيان المشترك بجلسة التفاوض بمقر وزارة العدل لعدم ارتقائه للادنى المطلوب من رد الاعتبار للزميل المعتدى عليه ولهيبة القضاء ومؤسسات الدولة .

ومهما كان السبب وراء ذلك الفشل فان المثير في هذا الشان هو استجابة الهياكل دون اي تردد لدعوة الوزير التي تتضمن تحويل مسالة مهنية واخلاقية لا تخرج بداهة عن الاطار الطبيعي للعلاقات البينية الى مسالة سياسية تقتضي تدخلا مباشرا من وزير العدل .وبقطع النظر عن الدوافع الحقيقية التي دفعت الهياكل المعنية بالازمة وبحلها الى تفويض الوزير للوساطة بينهم فان ذلك قد يبدو مؤشرا على تخبط الهياكل وعجزها عن ايجاد الاطار المشترك لبحث ازمة العلاقات بصفة مباشرة ومستقلة .

وقد ظهر جليا ان ممثلي الهياكل قد استعاضوا عن غياب الاليات المشتركة لفض النزاعات بنفوذ الوزير وحضوره دون ان يستند ذلك بالتاكيد الى تقليد مشهود به للوزارة في هذاالشان وهي التي عرفت سابقا بتاجيج الخلافات لا بحلها . ويتبين ان اخراج ازمة العلاقات عن اطارها الطبيعي منذ انعقاد ما اطلقت عليه جمعية القضاة « بجلسة التفاوض » بوزارة العدل قد شجع قرابة 31 نائبا من المجلس التأسيسي للقيام « بوساطة بين القضاة والمحامين لفض الخلاف الذي تصاعد بينهما والوصول الى صيغة توافقية ترضي كافة الأطراف » حسبما نقل عن السيد محمد قحبيش النائب بنفس المجلس عن حزب التحالف الديمقراطي .

ويمكن لاي ملاحظ ان يرى في هذه المبادرة تخطيا لفشل الحكومة وتاهيلا للسلطة الاصلية لحل « اعوص الازمات « ولو كانت تهم العلاقات الاخلاقية الخاصة باكثر الوظائف استقلالااي القضاء والمحاماة . ودون الدخول في تفاصيل هذه المبادرة التي لم تعلن عن اقتراحاتها ولا عن الاحزاب المشكلة لها فمن الواضح انها ترتبط بالمبادرة التي صدرت في 4 مارس 2014 عن رئيس المجلس الوطني التاسيسي المتعلقة حسب بيان من جمعية القضاة في نفس التاريخ »بفهم اسباب الازمة الكبيرة و المستفحلة في الاونة الاخيرة داخل المؤسسة القضائية ومرفق العدالة وسبل تطويقها بالاستماع الى جميع الاطراف المعنية « . ويبدو ان مبادرة السلطة التاسيسية -التي اصبحت منشغلة الان باخلاقيات المهن القضائية وفض النزاعات بينها -قد اختارت ان تتوحد وراء رئيس المجلس الذي شرع بجدية في التمهيد لتلك المهمة .

ومن الثابت ان رئيس المجلس التاسيسي وكذلك النواب المنتسبين اليه بمختلف احزابهم لم يعلموا ان الهيئة الوقتية للقضاء العدلى -بصفتها ممثلة للسلطة القضائية -قد اعلنت في نفس اليوم بدء مساعيها لحل الازمة بين المحامين و القضاة طبق ما اوردته وكالة تونس افريقيا للانباء نقلا عن بيان صادر عن الهيئة . ويلاحظ ان مساعي الهيئة الوقتية للقضاء العدلى قد اعقبت صدور لائحة الجلسة العامة للمحامين بتاريخ 2 مارس 2014 التي دعت هذه الهيئة « باعتبارها المخاطب الوحيد لتحمل مسؤولياتها في التعامل مع الهيئة الوطنية للمحامين لحل الازمة الراهنة « .

ويشار الى ان الدعوة الاخيرة تعتبر من جانب المحامين تباعدا عن حل الازمة داخل الاطار المشترك للهياكل الممثلة للطرفين والاستعاضة عن ذلك بعلاقات مقطوعة مع هيئة دستورية تختلف في طبيعتها عن تمثيلية هيئة المحامين لمهنة حرة مستقلة .ويتضح من البيان الاخير الصادر عن المكتب التنفيذي لجمعية القضاة التونسيين في 4 مارس 2014 ان سبب تحفظها على مبادرة رئيس المجلس التاسيسي لا يرجع الى الطبيعة السياسية لهذه المبادرة بقدر ما يرتبط بعدم التزام الهيئة الوطنية للمحامين باحترام الجهة الممثلة للقضاة .

وإزاء كل ما نلاحظه من تجاذبات بين مختلف السلطات -التنفيذية و التاسيسية (التشريعية ) و القضائية -وتسابق اطرافها لاحتواء ازمة ذات طبيعة « علائقية « لا تحتمل « التسييس »من المشروع ان نتساءل هل يبقى للاليات المهنية والاخلاقيات المشتركة بين الطرفين حظ لتطويق الخلافات الطارئة وبناء الثقة المتبادلة بمعزل عن سلطات الدولة ؟! ربما اذا رفع الساسة ايديهم وادركت الهياكل طريقها للخلاص!؟!